أخبار … تياترو حكاية مستمرة ..
ميسون عمران
أقطع الطريق الطويل من بلدتي إلى دمشق، وأدعو ألا أتأخر على أطفالي الذين لطالما مازحني أصدقائي بشأنهم متسائلين: "البركة كم ولد عندك؟" فأجيبهم: "13"! الرقم الذي حولوه إلى نذير فرح. سبعة منهم كانوا "باو شو" في مسرحية "البحث عن الشمس"، وجميعهم سيكونون جلجامش وأنكيدو في مسرحيتنا القادمة "البحث عن الخلود".
كنت أبحث عن وجه يؤمن بي، ويعطيني فرصة لأقدم مشروعي السرد"، الذي بدأته حين كنت أفكر بالشكل المسرحي الذي تحتاجه قصة "البحث عن الشمس".
حين التقيت بوجهها "مي اسكاف" كنت أعرفها، لكنها لا تعرفني.. أطرح مشروعي.. فتسمعني، وتختبرني وشريكي في مشروع السرد "محمود حسن"، ثم تفتح لنا كل الدار... دربنا في كل الغرف التي رممتها.. ولعب الأطفال في كامل الدار حتى في خراباته.. كنا في كل فصول السنة حتى في الصيف القائظ، والشتاء بثلجه..
عامان شهدنا فيها كيف خُلقت إمكانية المكان من جديد، بعد أن كان مكاناً منسياً يجمع بعض المكاتب...و أصبح تياترو.. لكل المشاريع الثقافية بأناسها صناعها، ومحبيها.. ويصبح موقعاً على الخارطة الثقافية في العاصمة دمشق..
ولطالما كنت أسأل نفسي: ما تقوم به مي اسكاف.. هو عمل مؤسسة.. كيف تستطيع؟؟" وبما نراه بأعيننا نعلم أنه ليس مشروعاً منتجاً بالمعنى المادي، المالي..
لا بد لهذا المشروع لتحمل تكاليفه المالية وصراعاته.. كامل الحب لتستطيع أن تستمر.. الحب بالدرجة الأولى، وقوة الحلم به.. هذا ونحن نتكلم بالشكل الإنساني.. الرومانسي الذي تحفل به شخصية مي اسكاف.. ولكن على مستوى الواقع كيف لمشروع ثقافي ذي استقلالية أن يستمر؟
من ناحية التمويل كانت هي من يمول المكان.. أما تمويل المشاريع، فذلك حسب السبونسرات...
وغالباً لتمويل المشروع ودعم تياترو لا كمنتج ومردود مادي لها..
مشروع مستقل يحتاج إلى دعم.. ولكن حتى لا ينهار في حال تركه الدعم، عليه أن يحافظ على الاستقلالية.. ولكن هل تغدو ميزته "الاستقلالية" هي المشكلة، إذ عليه أن يبقى تحت الوصاية؟
من الهام أن يكون إلى جانب المشاريع الثقافية الرسمية، ما هو مستقل، لإغناء الوجه الثقافي السوري، وإعطاء الفرص للجميع بعيداً عن قوانين المؤسسات الرسمية التي يمكن أن تحد من الفرص.. ولهذا وجه وطني: (زارتنا في تياترو مخرجة أجنبية – لم أعد أذكر من أي بلد أوروبي هي- كانت تتعرف على المكان قبل توجهها لإقامة ورشة عمل في المعهد العالي.. كنا مع الأولاد، سألتنا عما نفعله، وعندما شرحنا لها هتفت: لديكم هذا في سورية... في وقتها أجبنا بفخر: نعم لدينا هذا!!).
هي حالة كنا فخورين بتقديمها لزائر سورية، صورة هامة تعلق في ذاكرته عن العمل الثقافي (الأهلي) الذي نسمع عن تشجيعه. هي صورة لمكان قديم، تُخلق فيه ثقافة جديدة، يمكن أن يحملها الزائر مع صوره عن جماليات دمشق القديمة، وأبنيتها وأزقتها..
لم يكن تياترو مشروعاً فردياً لمي اسكاف.. لعله حلمها الخاص.. لكنه حين تحول إلى الواقع أصبح لطبيعته مشروعاً جماعياً عمل الكثيرون فيه..
ما كان ذلك المكان سيصير إلى ما صار عليه لولا تياترو، وما كان تياترو سيصل إلى ذلك المكان لولا الدعم الذي حصل عليه.. وعندما خرج من ذاك المكان، كان (دعمه) السبب..
وكان السبب أيضاً أنه حقاً مشروع مستقل..
ميسون عمران، مدرسة دراما الأطفال في تياترو، (تياترو حكاية مستمرة)